الشيشان
( بقلم ذيب بشير )
الشيشان هم من البلاد التي تسمى حاليا جمهورية الشيشان التي تقع في القوقاز، والقوقاز هي المنطقة التي يحدها من الشرق بحر قزوين ومن الغرب البحرالأسود ، ومن الشمال روسيا ومن الجنوب تركيا وإيران. وتنقسم منطقة القوقاز بسبب الجبال الممتدة من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي إلى منطقتين : القوقاز الجنوبي والذي يحوي الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي ( جورجيا ، أرمينيا وأزربيجان ) . أما القوقاز الشمالي فلا يزال تحت الحكم الروسي المباشر، ويحوي جمهوريات تسمي بجمهوريات حكم ذاتي، مثل جمهورية الشيشان والداغستان وأديغه.
أما بالنسبة لأصل الشيشان وتاريخهم القديم فإن المعلومات الموثقة حول هذا الموضوع فهي قليلة ، ويعود ذلك إلى الحروب المستمرة التي خاضعها الشيشان وباقي شعوب القوقاز ضد الغزاة لما يزيد عن 300 عام والتي أدت إلى محو التراث التاريخي والاجتماعي ، وتدمير المعالم الأثرية التي كان من الممكن الاعتماد عليها في هذا المجال. يضاف إلى ذلك سياسة الجزرة والعصى التي مارسها المحتل منذ أن وطئت قدماه منطقة القوقاز لطمس ما تبقي من التراث الشيشاني، ومحاولة احتوائهم وباقي شعوب المنطقة في بوتقة الكيان الروسي المحتل. ولكن من المؤكد بأن الشعب الشيشاني هو من الشعوب الأصلية في منطقة القوقاز، وبشكل عام فإن سكان شمال القوقاز الأصليين يشكلون عائلة عرقية منفصلة تسمى العرق القوقازي.
من أين جاءت تسمية ( الشيشان ) : إن أول من استعمل هذا الاسم هم الروس في بداية القرن الثامن عشرنسبة إلى قرية صغيرة تقع قرب غروزني تسمى تشتشن والذي حدث فيها أول تماس (قتال) ما بين القوات الروسية الغازية والمدافعين الشيشان ( لم تكن غروزني وقتها موجودة، فقد بناها الروس فيما بعد ). أما اسم (الشيشان) فهو الاسم المعرب للاسم الذي استخدمه الروس وبقية الشعوب (Chechen) . والشيشان يسمون أنفسهم ب ( ويناخ ) ، وويناخ كلمة تعني في اللغة الشيشانية شعبنا (وي _ نحن ، ناخ _ شعب )، ولكن يوجد هناك من يقول بأن ( ناخ ) هو أصل الشيشان، وناخ كلمة محورة من اسم نوح (أي سيدنا النبي نوح) الذي استقرت سفينته بعد الطوفان على جبل أرارات في شمال تركيا، ثم تفرعت من سيدنا نوح شعوب مختلفة انساحت معظمها إلى مناطق أخرى مثل السومريون الذي سكنوا بلاد ما بين النهرين ، ومنهم شعوب تأصلت في المنطقة ، وتفرعت منها شعوب مختلفة مثل الشيشان والشركس والداغستان.
الشيشان لا يسمون أنفسهم بهذا الاسم، وانما هو اسم اطلقة الأخرون عليهم، فمن أين جاءت هذه التسمية؟. ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع نود أن نذكر بأن الشيشان يطلقون على أنفسهم اسم ويناخ، والتي تعني شعبنا.
وشعب الويناخ يتفرع إلى قسمين رئيسيين هما فرع النوختشي وهم سكان جمهورية الشيشان الحالية التابعة للفدرالية الروسية، والفرع الآخر هم الانغوش ويطلق عليهم الشيشان اسم الغلغاي وهم سكان جمهورية انغوشيا الحالية التابعة للفدرالية الروسية.
نعود الآن الى اسم الشيشان وهو الاسم المعرب لاسم التششن ( Chechen ) ، والتششن اسم اطلقة الروس على الويناخ نسبة الى قرية صغيرة تقع شمال غروزني، حيث حدث هناك أول اشتباك مسلح بين الروس والويناخ أثناء الغزو الروسي لاحتلال القوقاز.
وبعد هجرة الويناخ إلى الأراضي التي كانت تحت الحكم العثماني في اواخر القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين وخاصة في الأردن، فقد اطلق عليهم اسم جيجن بالعربية وأظن أن ذلك كان بسبب عدم وجود حرف في اللغة العربية يقابل الحرف اللاتيني ( Ch )، ونستطيع التأكيد على ذلك على ضوء الوثيقة التالية التي وقعها سكان السخنة سنة 1340 للهجرة.
اللغة والعادات واللباس : يتكلم الشيشان لغة خاصة بهم ، وهي لغة صعبة ، حيث توجد بعض الحروف التي تحتاج إلى ممارسة طويلة لإخراجها بالشكل الصحيح ، وهي لا تشبه أية لغة من لغات الشعوب المجاورة ، ومن المعروف بأن منطقة القوقاز مع صغر مساحتها فإن فيها لغات ولهجات كثيرة جداً، ويعزى ذلك إلى الطبيعة الجلية للمنطقة التي تجعل من الصعب الاتصال بين سكانها . أما بالنسبة للعادات ، فإن الشيشان لديهم عادات وتقاليد خاصة بهم ، وبعض هذه العادات صارمة جداً وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الأب وابنه، وكذلك العلاقة ما بين الصهر وانسبائه ، واحترام الصغير للكبير مهما تباعدت مسافة القرابة بينهم، وغيرها من العادات التي يمكن معرفتها بالرجوع إلى باقي أقسام الموقع. أما اللباس التقليدي للشيشان فإنه مشابه كثيراً للباس شعوب القوقاز كافة. وهنا قد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: لماذا تشابه لباس الشعوب القوقازية واختلفت ألسنتهم ؟؟؟؟ أما الجواب (غير الرسمي) فهو أن اللغة متأصلة ، أما اللباس فقد يكون قد توحد أو تشابه خلال القرون الأخيرة .... والله أعلم.
الفرق بين الشيشان والشركس : الشيشان والشركس هم من الشعوب المتأصلة والمتجاورة في منطقة شمال القوقاز، وقد يكون الأصل واحداً .... والله أعلم ، حيث يوجد تشابه كبير بالتكوين البدني، كما يوجد تشابه كبير بين العادات، ولكن لا يوجد أي تشابه بين اللغتين الشيشانية والشركسية، وخلاصة القول في هذا المجال أن الاختلاف هو في اللغة فقط .
لماذا هاجر الشيشان : دعونا نتكلم هنا عن الشيشان في الأردن . إنهم يحبون الأردن أرضا وشعبا ونظاماً. والشكر موصول لله تعالى أن اختار أجدادنا هذه البلاد كمستقر لهجرتهم. ولكنهم لم ولن ينسوا أرض أبائهم وأجدادهم ، وهذا حقهم . وبلاد الشيشان خيراتها كثيرة ومياهها غزيرة، وهي من المناطق الجميلة، ومع ذلك تركها الأجداد وهاجروا.....لماذا ؟؟؟؟ هل يعقل بأن يترك الإنسان وطنه وأرضه الجميلة ويختار منطقة شبه صحراوية إلا لسبب عظيم ؟؟؟؟ نعم أخي الزائر، السبب كبير لا بل عظيم جداً، إنه الحفاظ على العقيدة . والدليل على ذلك بأنهم هاجروا بعد انتهاء الحرب وليس خلالها. لم يكن الشيشاني يخاف العدو أثناء الحرب كخيفته من إجباره على تحويل دينه بعد أن وضعت الحرب أوزارها. إذاً كيف بدأت قصة هجرتهم ؟؟؟ أولاً نريد أن ننوه بأن الطرق الصوفية كانت منتشرة بين الشيشان وخاصة النقشبندية ، ولسنا هنا في مجال تفصيل كيفة انتشار هذه الطرق بين الشيشان ، ولكن من المؤكد بأن هذه الطرق كانت السبب في توحيد الجهود ضد المحتل عسكريا، والحصن الحصين ضد الغزو الفكري عقديا، وللعلم فقد كان معظم قادة الإمام شامل من الملالي، والذي تمكن بواسطتهم من خوض حرب طويلة امتدت لمدة ربع قرن انتهت سنة 1859 عند استسلامه للروس بسبب كثرة العدو عددا وعدة . والواقع كانت حروب شامل هي آخر حروب شعوب القوقازية ضد الروس، مع أنه حدثت فيما بعد انتفاضات متواصلة ضد الاحتلال وآخرها انتفاضة الاستقلال في بداية التسعينات من القرن الماضي. كانت أول هجرة شيشانية بعد الاحتلال بخمس سنوات (1864) ، حيث هاجرت مجموعات كبيرة إلى تركيا وسوريا. أما شيشان الأردن فقد بدأت هجرتهم في بداية العقد الأول من القرن الماضي . فقد سرت شائعات بين أوساط الشعب بأنه سيحل ظلم وظلام على القوقاز( وهذا ما حدث بعد 15 سنة فقط عندما وقعت الثورة البلشفية ). وقد ساهم شيوخ الطرق الصوفيه في تشجيع الناس بالهجرة والنجاة بعقيدتهم.
لماذا اختار أجدادنا الأردن ؟ : إذا فكر الباحث بشكل منطقي وغير متحيز بهذا التساؤل فإنه سيصل إلى جواب حتمي وهو بأن سبب اختيارهم للأردن لم يكن لأسباب اقتصادية أو دنيوية، فلو كان الأمر كذلك لكانوا قد اختاروا منطقة حيوية في تركيا أو على الأقل في سوريا، كما أن الأتراك كانوا يرغبون بإسكان مهاجري القوقاز في المناطق التركية المتاخمة للقوقاز ليكونوا سداًً بشرياً ضد أي تقدم روسي محتمل، وهذا دليل بأن الأتراك لم يكن لهم دور في اختيارهم للأردن. ومع ذلك يبقى السؤال: لماذا اختاروا الأردن ؟ الجواب المنطقي لذلك هو أن السبب ديني ، ونتبنى هذا الجواب لأن وجهاء المهاجرين ( أي القادة ) كانوا من شيوخ الطرق الصوفية. وهنا نستمر في التساؤل : إذا كان سبب اختيارهم لمناطق توطنهم هو سبب ديني, لماذا اختاروا الأردن ولم يختاروا مكة أو المدينة المنورة أو فلسطين ؟. يبدوا بأننا قد نستمر إلى ما لا نهاية حتى نصل إلى جواب منطقي لهذا التساؤل، ولوضع حد لذلك فإنني أجد منطقيا بأن أجيب على ذلك ومن وحي فكري وبدون اعتماد على مصادر موثقة كما يلي : أولاً: هناك حديث نبوي شريف يعرفه الجميع وهو: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، هم غربي النهر وانتم شرقيه ....بقية الحديث" ، والأردن شرقي النهر. ثانياً: هناك حديث آخر لا أذكره حرفياُ ولكنه يدل على قدسية الشام ( دمشق ) ، والأردن قريب من الشام. ثالثا: يقع الأردن على طريق الحج . وخلاصة القول بأن الأردن واقع في منتصف المناطق المقدسة إسلامياً : مكة والمدينة، فلسطين والشام ، ومع ذلك فإن الجواب الأقوى والحاسم هو : " الله أعلم ".
بلاد ا لشيشان
معلومات عامة
· الموقــع : بلاد الشيشان هي المنطقة التي تسمى الآن جمهورية الشيشان وتقع في شمال شرق منطقة القوقاز ، وتنحصر بين خطي طول 44درجة – 47 درجة شرقاً، وخطي عرض 42 درجة – 45 درجة شمالاً، تحدها من الشمال جمهورية داغستان وإقليم ستافروبول، ومن الشرق داغستان ومن الجنوب داغستان وجورجيا ومن الغرب جمهورية أوسيتا الشمالية وجمهورية القبرطاي/ بلقر.
· المسـاحة : تبلغ مساحة جمهورية الشيشان حالياُ 19300 كم 2 ( علماً بأن مساحة بلاد الشيشان كانت أكبر من ذلك ، حيث قام الروس باقتطاع مساحات كبيرة من بلاد الشيشان وضموها إلى جمهوريات داغستان وجورجيا وأوسيتا للتفرقة ما بين الشيشان ، علماً بأن الحدود الشرقية للشيشان كانت تمتد إلى بحر قزوين ).
· عدد السكان : في عام 1989م كانت بلاد الشيشان مؤلفة من جمهورية الشيشان أنجوش ، وكان عدد سكان الجمهورية في تلك السنة 1,25 مليون نسمة ، وقد كان عدد الشيشان ( ويناخ ) 898263 نسمة ( 734500 نوختشي ، 163760 أنجوش )، بنسبة 70,7% من مجموع السكان الإجمالي ، وقد تواجدت قوميات كثيرة وأهمها الروس والقوزاق وكان عددهم 293771 نسمة.
العاصمة : غروزني ، وقد أنشئت عام 1817م ، وقد بلغ عدد سكانها في عام 1939م 172000 نسمة ، وفي عام 1980م كان عددهم 377000 نسمة.
ملاحظة : ( جميع المعلومات السابقة مقتبسة من كتاب الشيشان والاستعمار الروسي لمؤلفه المهندس المرحوم سعيد بينو، وقد ذكر السيد راتب محمود البشايرة في كتابه الشيشانيون الأردنيون الصادر في عام 1999 بأن المساحة التي تم اقتطاعها من بلاد الشيشان وضمها إلى الجمهوريات الأخرى تبلغ 40000كم2 )
الاحتلال الروسي
قبل الغزو الروسي كانت منطقة جنوب القوقاز تحت السيطرة العثمانية، عدا أذربيجان التي كانت تحت سيطرة الصفويين في إيران، أما شمال القوقاز ومنها بلاد الشيشان، لم تكن تحت السيطرة المباشرة للعثمانيين، بل كانت تحت نفوذهم، وقد كانت هذه الشعوب راضية بهذا الوضع بسبب العقيدة والمذهب، كون الدولة العثمانية بمثابة المرجع الديني لهم لكونها حاملة راية الخلافة الإسلامية.
· بدأ غزو الروس القياصرة للقوقاز في عام 1722م في عهد القيصر بطرس الأكبر. قاوم الشعب الشيشاني الغزو الروسي مثل باقي شعوب القوقاز، ، أما أول صدام مسلح بين الروس والشيشـــان فكان قرب قرية تشتشين على بعد 15كم جنوب العاصمة غروزني ( لم تكن غروزني حينها قائمة )، وقد أطلق الروس على الشعب الشيشاني اسم تشتشين نسبة إلى هذه القرية.
قاد الإمام منصور حرباُ ضد الغزو الروسي من سنة 1780م – سنة 1791م حيث وقع في الأسر ثم استشهد عام 1794م في سجن سليسبرغ. ثم قاد الإمام الغازي مولاي محمد حرباً ضدهم من سنة 1824م – 1832م.
في عام 1828م عمت الحرب سائر أرجاء القفقاس ، واستمرت مقاومة المسلمين للروس في داغستان تحت زعامة كل من الإمام غازي محمد والإمام حمزات.
بعد استشهاد الإمام حمزات ، تابع الإمام شامل تزعم المقاومة ، كما انضمت القوات التي كانت تحت رئاسة تاسو حجي إلى الإمام شامل.
في عام 1839م بدأت كافة شعوب شمال القفقاس النضال تحت زعامة الإمام شامل الذي استمر 25 سنة.
في عام 1859م احتل الروس قرية فيدينو آخر معقل للشيشانيين ، واستسلم الإمام شامل للروس ، ورغم ذلك تابع الشيشانيون نضالهم حتى عام 1864م.
في عام 1862 قام الشركس بثورتهم إلا أنها أخمدت من قبل الروس في عام 1864م.
وبذلك تكون سنة 1859م تاريخ تركيز الروس لأقدامهم في شمال القفقاس، وتعتبر سنة 1864م السنة التي بسط الروس فيها سيطرتهم الكاملة على شمال القوقاز بعد إخماد ثورة الشركس وانتهاء المقاومة الشيشانية.
دخول الاسلام إلى بلاد القوقاز
أ. الفتوحات الإسلامية في القوقاز:
يتفق معظم المؤرخون أن أول دخول الفتح الإسلامي لمنطقة القوقاز كان عام 639م، ولكن انتشار الإسلام كان بطيئا لعدة أسبات أهمها:
· الطبيعة الوعرة لجبال القوقاز، فتلك المرتفعات التي قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من خمسة آلاف متر ، لم تكن من التضاريس المألوفة للعرب الذين أتقنوا القتال في السهول والصحاري المنبسطة.
· أن المنطقة تتنازعها عدة ديانات ومذاهب مثل المسيحية، اليهودية، والزرادشتية والمانوية الفارسية.
· وجود دولة الخزر في أذربيجان وداغستان ، وكانت خاضعة لمشيئة اليهود الذين قاوموا الفتوحات الإسلامية مقاومة عنيفة.
· دعم الإمبراطورية البيزنطية للكرج في جورجيا، والأرمن في أرمينيا للوقوف في وجه المد الإسلامي.
ب. ويقسم المؤرخون دخول الإسلام إلى بلاد القوقاز إلى ثلاث مراحل:
1. الفتوحات الإسلامية: أدرك المسلمون أهمية إيصال رسالتهم للقوقازيين، ولذلك لم تنقطع محاولاتهم لاختراق معاقلهم، وكان أول اختراق عربي إسلامي لمنطقة القوقاز عام 639م في منطقة أذربيجان، ثم استطاعوا بسط نفوذهم على ممر دربند، أو باب الأبواب كما سماه المسلمون عام 643م ، وسيطروا على أذربيجان وأرمينيه وجورجيا ( بلاد الكرج ) وسمحوا لحكام هذه المناطق بالاحتفاظ بديانتهم المسيحية. ويقول آرثر كوستلر: إن المسلمين حاولوا التوغل في جبال القوقاز ، لكنهم اضطروا للتراجع . وفي الفترة الممتدة بين 643 – 752 م عادوا من جديد ليخترقوا ممر دربند ، ونجحوا في التوغل في بلاد الخزر، وحاولوا الاستيلاء على " بلادنجار" ، أكبر مدن الخزر حتى يقيموا لهم موقعا على الجانب الأوروبي من القوقاز، لتتخذ منه قواتهم قاعدة لزحف جديد ، لكنهم لم يفلحوا في ذلك رغم تكرار محاولاتهم . ودارت آخر معركة بين المسلمين والخزر سنة 652م استخدم فيها الطرفان المرجام، وهي لإطلاق الحجارة ، والمنجنيق لرمي القذائف. وقد استشهد في هذه المعركة أربعة آلاف مسلم من بينهم قائدهم المشهور عبد الله بن ربيعة. ويورد كوستلر أن المسلمين لم يقوموا طيلة السنوات الثلاثين أو الأربعين التالية بأية محاولة لشن غارات على معاقل الخزر، وانشغلوا بشن هجماتهم الرئيسية نحو بيزنطه. وفي مرات عديدة في الأعوام : 669 ، 673 ، 678 ، 718 م حاصروا القسطنطينية برا وبحرا، واستطاعوا أن يلتفوا حول العاصمة عبر جبال القوقاز وحول البحر الأسود، وكان من المحتمل أن يتقرر مصير الدولة البيزنطية ، ومن المؤكد أن الصراع العربي الخزري على القوقاز قد بلغ ذروته بين الفترة 730 – 745م.
وفي مرحلة من مراحل تلك الحروب التي استمرت خمسة عشر عاما اجتاح الخزر جورجيا وأرمينيا وهزموا المسلمين في معركة " أردبيل " في أواخر سنة 730م ، وتقدموا حتى وصلوا الموصل وديار بكر ، لكن هذا الهجوم الخزري أخفق في التقدم نحو دمشق عاصمة الخلافة. ورد الخزر على أعقابهم بعد هزيمة نكراء. وفي العام التالي نجح القائد المسلم المظفر مسلمة بن عبد الملك الذي سبق له أن قاد حصار القسطنطينية في انتزاع " بلادنجار" من الخزر، وواصل تقدمه حتى " سمندار"، وهي من المدن الكبيرة في الشمال. وفي عهد مروان بن محمد الأموي ( 734-743 ) تمكن المسلمون من هزيمة الخزر نهائيا في أذربيجان والأجزاء الجنوبية الشرقية من داغستان. وبالرغم من أن القائد مسلمة بن عبد الملك تمكن من فتح معظم الأجزاء الباقية من داغستان في الأعوام 734 – 743 م وخضع له حكام تلك المناطق من سكانها الوطنيين ، فإنه كان خضوعا اسميا، إذ عندما ضعف الحكم الإسلامي ارتد هؤلاء الحكام إلى ديانتهم السابقة. أما بلاد جورجيا والأرمن والمناطق الجنوبية من القوقاز فقد استمر الحكم الإسلامي فيها مدة طويلة ، ولكن في نهاية العصر العباسي بدأت عناصر الحكم الإسلامي تضعف في منطقة القوقاز الجنوبي والأجزاء الشرقية الساحلية من داغستان ، وانقسمت تلك البلاد إلى عدة دويلات محلية ، مما سهل على السلاجقة في آسيا الصغرى احتلال هذه المناطق بعد أن نجحوا في احتلال إيران وخوارزم ومعظم أسيا الوسطى . وانتعش الإسلام مرة أخرى في تلك المناطق تحت حكم السلاجقة ، وامتد إلى جبال داغستان ووسطها وشمالها. أما الأجزاء المتاخمة لبلاد داغستان وهي بلاد الشيشان الوثنيين والانجوش المسيحيين فبقيت ديانتها.
2. أثر المغول والتتار في انتشار الاسلام في القوقاز. لقد أدى ظهور المغول والتتار على مسرح الأحداث في العالم الإسلامي وقيامهم بتدمير بغداد ومدن بلاد الشام إلى إضعاف الإسلام في مناطق القوقاز ، وارتد كثير من شعوب القوقاز إلى الدين المسيحي ، وذلك لأن طلائع المغول كانوا بوذيين أو نصارى. ولكن التحول الكبير لصالح الإسلام بدأ عندما تولى بركه خان ابن جوجي ابن أخي جنكيز خان حكم القبيلة الذهبية ، وذلك سنة 1256م ، وكان بركه خان قد دخل في الإسلام منذ طفولته ، واستمر حكم بركه خان إلى سنة 1276م ، وتحول في أثنائها معظم أفراد القبيلة الذهبية إلى الإسلام. وامتد سلطان تلك القبيلة من تركستان إلى روسيا وسيبريا ، وحكموا موسكو نفسها. وقد أقاموا مدينة " قازان " الشهيرة شمالي نهر الفولغا لتكون عاصمتهم ، وهكذا اعتنق المغول الإسلام وتحمسوا له ، وحكموا باسمه أمدا طويلا. أما العصر الذهبي للإسلام في منطقة القوقاز فقد كان في عهد تيمورلنك ( 1336 -1405 ) ، الذي احتل أذربيجان وداغستان ، وأصبح الإسلام راسخا فيهما منذ عام 1385. واهتم تيمورلنك شخصيا بالقضاء على كل ما يتنافى مع الإسلام في أذربيجان وداغستان ، وأصبح الإسلام هو الدين الوحيد لشعب " اللاك " في وسط داغستان ، وهؤلاء أصبحوا بدورهم حماة الإسلام في الداغستان ضد المسيحية والوثنيين هناك. واتخذ اللاك مدينة غزي-قمق عاصمة لهم ومركزا إسلاميا رئيسيا في داغستان ، ومن هذا المركز انطلق الدعاة الأوائل لنشر الإسلام ووصلوا إلى الشيشان وقبائل القمق التركية في داغستان والتي كانت مثل الشيشان لا تزال وثنية. ويذكر أن تيمورلنك وجه ضربة عنيفة لأكبر قوة مسيحية في وسط وشمال القوقاز وهي مملكة " الآلان " ، وهم أجداد شعب الأوستين الذين يعيشون اليوم في أوسيتيا الشمالية والجنوبية. وفي عهد تيمورلنك دخلت معظم شعوب داغستان في الإسلام ، وفي نهاية القرن الخامس عشر ظهرت قوتان إسلاميتان في القوقاز الشمالي ، وهما الدولة العثمانية وخانية القرم. وكان لهاتين القوتين الفضل في تحول الأبخاز من المسيحية إلى الإسلام وكذلك الشراكسة الغرب " الأديغيون " وشراكسة الشرق " القبارطيون " والأباظة . أما في القوقاز الجنوبي الشرقي فإن الدولة الصفوية في إيران قامت بغزو " دربند " وخانية " شيروان " عام 1538م ، وبالتالي فإن المذهب الشيعي أصبح هو السائد في أذربيجان. وفي منتصف القرن السادس عشر انتشر المذهب الشافعي في داغستان ، بينما انتشر المذهب الحنفي في شمال غرب القوقاز.
3. دور العثمانيين في انتشار الإسلام في القوقاز : بدأ التوجه الروسي إلى منطقة القوقاز عام 1556م ، وكان هذا التحول بداية حرب بين الإسلام والمسيحية ، وبدأ تحركهم المنظم ببناء مستعمرا وقلاع حصينة على امتداد نهر " الترك " ، وتركوا حمايتها لشعوب القوزاق المسيحية ، وبادرت روسيا بإرسال المنصرين إلى شمالي القوقاز ، وظهرت أولى الكنائس في مقاطعة " بيسيلني " بقبارطاي ، وفي أوسيتيا المجاورو، فاضطر العثمانيون وخانات شبه جزيرة القرم للتصدي لهذا التوسع الروسي في شمال القوقاز. وقام خان القرم بحملة عسكرية على قبرطاي عام 1558م وأحرقها عقابا لها على تحولها إلى المسيحية وتحالفها مع الروس أعداء المسلمين. وفي عام 1594م أرسل الروس حملة عسكرية إلى شمالي داغستان ، فتصدت لها قوة مشتركة من الأتراك والتتار والداغستانيين ، وهزم الروس بعد معركة شرسة. ولكن الروس عادوا مرة ثانية عام 1604م بقوة عسكرية أخرى ، وهزموا خان القرم . وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ، كثف خانات القرم والعثمانيون جهودهم لنشر الدين الإسلامي في الأجزاء الشمالية الغربية والوسطى في شمالي القوقاز. وفي عام 1717م نشط العثمانيون وخان القرم " دولت جيراي " ، ومن بعده " خاز جيراي " في الدعوة للإسلام بين الشراكسة، وقد ساهم " علي فرح باشا " الوالي العثماني مساهمة كبيرة في نشر الإسلام ، حيث جلب العلماء من الآستانة ، وبنى المساجد ، وجعل من " أنابا " عاصمة لولايته على ثغر البحر الأسود ، ومركزا رئيسيا للدين الحنيف. ومن " أنابا " انتشر الإسلام في عموم شمالي القوقاز بما في ذلك الشيشان ، وهكذا أصبح عامة الشراكسة مسلمين.