العادات والتقاليد الشيشانية
تحضير ذيب بشير
على الرغم من الفترة الطويلة التي قضاها الشيشان في الأردن بعيدا عن الموطن الأصلي، فما زالوا يحافظون على تقاليدهم وعاداتهم ، إلا أن كثيراً من التقاليد تطورت وخاصة فيما يتعلق بمراسيم الزواج والعلاقة بين الآباء والأبناء.
وفيما يلي بعض العادات الشيشانية التي تعكس هويتهم وشخصيتهم ، كما تعكس اعتزازهم بقوميتهم وجنسيتهم:
- احترام الأصغر سناً لمن هو أكبر منه حتى ولم كان الفرق في العمر قليلاً، وينطبق ذلك على الجنسين، فالشيشاني الذي يحترم نفسه ويقدره غيره ، ينبغي عليه أن يخاطب من هو أكبر منه سنا بأدب وبصوت خافت، ولا يلفظ أمامه بكلام فيه مس بالحياء حتى على سبيل المزاح والفكاهة.
- لا يجوز للصغير أن يدخن بوجود الكبير حتى لو كان أكبر منه بعام واحد.
- عند مرور شخص كبير يقوم الشباب الجالسين احتراماً له.
- إذا كان شخص في مجلس ودخل من هو أكبر منه عليه أن يقف احتراماً، ويترك للقادم مكان الصدارة.
- لا يجوز للصغير أو للمرأة أن تقطع الطريق أمام أو قبل الكبير.
- عند الدخول إلى مجلس ما أو غرفة أو الخروج يتم ذلك حسب العمر.
- إذا تكلم الكبير فعلى الجميع الإنصات والاستماع له، وإذا لم يرق كلامه لمن هو أصغر منه سناً ، فلا يجوز له الاعتراض بشكل مباشر وفي نفس الجلسة، وإذا أراد أن يبدي رأيا مخالفاً فيتم ذلك بطريقة لبقة وبشكل مؤدب دون إشعار الكبير أنه على خطأ.
- لا يجوز للابن الاحتجاج على قرار اتخذه والده إلا عن طريق أمه فقط التي تقوم بتوصيل وجهة نظره للوالد، فإن اقتنع بخطأ قراره طلب من الابن أن يفعل ما يراه مناسباً.
- لا يحمل الشيشاني ابنه أو يداعبه أمام الناس وخاصة والده.
- من العيب أن تبكي المرأة عند وفاة زوجها أمام الناس
- من العيب أن يبكي الوالدان عند وفاة الأولاد.
- لا يتصافح الآباء والأبناء في أية مناسبة.
- لا يجلس الوالد على مائدة واحدة مع الأولاد لتناول الطعام، لذا تعد له سفرة خاصة به ربما في غرفة أخرى.
- إذا ترافق شخصان فعلى الأصغر سناً السير على يسار الكبير، أما إذا كانوا جماعة يكون الأكبر سناً في الوسط ويحيط به الآخرون.
- إذا تصادف وتقابل رجل كبير في السن بمن هو أصغر منه، وكان الكبير يحمل حوائج له، يقوم الصغير حمل تلك الحوائج وإيصالها إلى المكان المطلوب.
- لا يجوز للصغير أن يجلس واضعاً رجلاً على رجل أمام الكبار، أما إذا كانت الجلسة أرضية فعليه الجلوس بشكل لائق ولا يمد رجليه أمام الآخرين.
- إذا أراد شخص أن يشرب الماء فعليه أولا أن يعزم على الحضــــــــــور ويسألهم : (( تشربوا ماء ؟؟ )) مع توجيه كاس الماء نحوهم بأدب ، يقوم بذلك حتى مع من هم أصغر منه، فيجيبه الحضور بما معناه : اشرب بالهناء ، ثم يدير وجهه إلى أحد الجوانب ويشرب.
- من المعيب جداً أن يحدث الشخص صوتاً أثناء الأكل أو الشرب.
- من التقاليد الشيشانية أنه لا يتم التصافح بالأيدي ولا توجد عادة التقبيل عند السلام، وإنما جرت العادة بأن تتم التحية بالعناق الجانبي بحيث يضع الكبير يده اليمنى على ظهر أو كتف الصغير مع طبطبة خفيفة ، ويضع الصغير يده اليسرى على ظهر الكبير من تحت يد الكبير الممدودة على ظهره.
من عادات الويناخ
بقلم شمس عبد الرازق
ويناخ – هو الاسم القومي، الذي يطلقه الشيشان و الإنجوش عل أنفسهم منذ قديم الزمان، إلى يومنا هذا. ويضم ويناخ تحت لوائه، جميع العشائر ، التي تنتمي إلى قبائل الشيشان، والإنجوش، والباتس. ولفظ " ويناخ " يعني بلغة الشيشان – شعبنا.
أما عادات وتقاليد الويناخ في معظمها ومجملهاـ تكاد تكون عادات القبائل العربية العريقة. بيد أنه توجد عند الويناخ عادات خاصة بهم، ينفردون بها عن سواهم من الشعوب. والشيشان و الإنجوش، يتباهون بهذه العادات، وتلك التقاليد، وربما قدّموها أحياناً على غيرها من المبادئ، والعقائد. وإن وصل الفرد منهم إلى قمة التديّن، لربما جذبته العادات والتقاليد الموروثة إليها.
وكثيراَ ما يحاول البعض، إبعاد الشباب والشواب، عن بعض العادات، مثل إقامة الحفلات الراقصة المختلطة، وسواها، التي هي من صميم عاداتهم، وأسمى تقاليدهم الحية، حتى هذا اليوم. وعلى سبيل المثال تحضرني هنا حادثة لطيفة، سمعتها من الكبار، وبعض الذين ما زالوا أحياء، وهي: حينما استقر المهاجرون الشيشان و الإنجوش، في نهاية القرن التاسع عشر، بالأردن، في السخنة، وصويلح، والزرقاء، كانت الحفلات تقام في كل مناسبة، عند الزواج، أو بناء المساكن، أو في فترات الحصاد، أو مواعيد الزراعة، بينما الكهول والصوفيون يقومون بالذكر والتسبيح.. وبينما كان الزعيم الروحي، والاجتماعي آنذاك، الشيخ الكبير، عادل سلطان، والد الراحل بهاء الدين عبد الله، ومريدوه، يقومون بذكرهم وتسبيحهم وسهرهم، فإذا بأنغام الموسيقى، وغوغاء حفلة راقصة تطرق آذانهم. ويسأل الشيخ مَن حوله عما يسمع، ويحصل من معصية. فيأمر أحد أتباعه بالذهاب فوراً إلى مكان الحفلة، ويسكتها، ويحطم الأكورديون، آلة الموسيقى، والعودة حالاً. فيهب المريد بعصاه الطويلة، ويهرول إلى مكان الحفلة. وكلما اقترب من المكان، كانت قدماه تبطئان في السير، بسحر أنغام الموسيقى الشجية، ويقف إلى زاوية مظلمة، قرب الحفلة، ويتكئ على عكازته مستمعاً، مأخوذاً بالأنغام والأوتار، مستعيداً ذكريات شبابه. لكن الشيخ يستبطئ مبعوثه، ويتحدث قائلاً: ما زالت الأنغام تصدح، والهرج يستمر، وفلان قد تأخر، قم أنت يا فلان واتبعه، وأبطلا معاً ذلك الهرج، وعودا بسرعة! ويلحقه الثاني، فتأخذه الأنغام، ويقف بقرب الأول، ويلتهيان بما يسمعان ويشاهدان. ويعاود الشيخ الكبير غضبه مرة أخرى من تباطئهما، ويرسل الثالث، حتى تتوقف الحفلة، ويعود ثلاثتهم.
وفي يومنا هذا، قلما نجد بيتاً يخلو من الأدوات الموسيقية ووسائل الغناء. ونادراً جداً كذلك أن تجد فتاة أو فتى لا يجيد فن الرقص، أو الغناء، أو استعمال آلات الموسيقى. والمثل الشيشاني يقول: إن شعباً يملك العود والموسيقى، ويتقن الأغاني الشعبية، لا يمكن قهره من قبل الأعداء. ولعل تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم، منذ أقدم العصور، على كثرة الغزوات الهمجية، والغارات العنيفة، التي توالت على بلاد الويناخ، حال دون انقراضهم كسائر الشعوب الصغيرة، التي لم يبق لها في التاريخ سوى أسمائها.
سأحاول أن أكتب شيئاً عن العادات، والتقاليد الشيشانية، حسبما يسمح الوقت، وتوافق مجلة نادينا ("مجلة النادي القوقازي").
فلتكن البداية عن الزواج عند الويناخ.
من عادة الفتيات أن يردن إلى عين الماء في قريتهن، لإحضار حاجة البيت من الماء في كل صباح، وعند كل أصيل. يردن مجموعات من كل حي، تحمل كل واحدة منهن على كتفها جرة نحاسية، خاصة وكبيرة، لها عروة في علاوتها. ومن عادة الشباب أن يتوافدوا على العين، ليتحدّثوا إليهن. إن هذه عادة جارية متبعة. ثم يستقر رأي الشاب على إحداهن، يراها مناسبة له، وتراه مناسباً لها. ويحصل التعارف كذلك في حفلات الزواج، والرقص، باختلاط الجنسين. وفي حفلات الحصاد والبناء، يجتمع أهل الحي، أو القرية، للمعاونة، والعمل المشترك. فيحصل التعارف والانسجام بينهم.
والشاب الذي يُعجب بفتاة، وتُعجَب به، يمكن أن يدعوها إلى بيت إحدى قريباتها، للتحدّث معها، والتأكد من موافقتها، فيما لو طلب يدها. وفي حالة الموافقة، يبعث من يطلب يدها إلى أهلها، مرة أو أكثر. وفي حالة الرفض من ذويها لسبب ما، فيمكن أن يتفقا. ويرسل إليها أختاً أو قريبة، مع أشخاص (أقارب أو أصدقاء)، إلى المكان المتفق عليه. فيتم الخطف، دون وجود العريس معهم. وربما تعد الفتاة، ثم تخلف وعدها ورأيها. وفي هذه الحالة، يمكن أن يحصل الخطف بالعنف. إلاّ أنه الآن، أصبح الخطف بالعنف من العادات البائدة.
وحالما تتم الخطبة بالموافقة، وتبدأ مراسيم الزواج، يتخذ العريس شبيناَ له من أصحابه، وينزل عنده، متخفياً عن أنظار المسنّين، والمسنات، والأهل. وتكون أيضاً للعروس شبينة، ذات صلة بشبين العريس، ليقوما في مهمة وواجبات الزواج، والدعوات إلى الوليمة، وإقامة الحفلات، وتهيئة الأجواء للعريسين، فكلاهما يخجلان. والعروس لا تتكلم مع أهل العريس لفترة. والعريس يبقى بعيداً عن منزله، حتى تخلو الدار تماماً من المدعوّين، وتنتهي حفلات الرقص، التي قد تستمر أسبوعا.
بعد بضعة أيام من زواجهما، يجتمع أهل العريس والأصحاب والنساء في منزل العروسين، اللذان يدخلان على الحضور للخدمة، ولإزالة أسباب الخجل. وبعد حوالي الشهر، يذهب العريس مع شبينه، وبعض أصدقائه، إلى منزل أهل العروس، بعد إبلاغهم مسبقاً بمجيئه. فيجتمع أقارب العروس وأصدقائهم، لاستقبال العريس وصحبه. ويظهر العريس أمامهم بطريقة متبعة، وتعد الأطعمة والسفرة للجميع، ويتفكه الحضور بالطرافات. ويعود العريس بعيد العشاء إلى داره، بعد أن يكون قد شاهد حفلة سمر رائعة.
وحالما تنتهي زيارة العريس، تعد العروس مع الحلويات والهدايا، لأول زيارة إلى أهلها بعد زواجها، مع شبينتها وبعض السيدات، لتمكث هناك أقل من أسبوع.
والعروس لا يجوز لها مطلقاً، وحتى وفاتها، أن تنادي وتسمي الكبار من أهل العريس بأسمائهم، وأسمائهن. وعليها أن تختار لكل شخص اسماً خاصاً مناسباً. والعريس يلزم منه أن تكون زياراته قليلة إلى أهل العروس؛ في المناسبات، والضرورات فقط. وعليه أن يحترمهم، ولا يجلس أمام الكبار منهم، (ولا يأخذ مكاناً في صدارة البيت)، احتراماً وتقديراً وحفظاً للوقار.
أما عند وفاة الزوج، كان من عادتهم أن تقسم التركة والإرث بالتساوي، بدون تمييز بين الزوجة، والولد، والبنت، حتى دخلوا في الدين الإسلامي الحنيف. فبطلت هذه العادة، وأصبح التقسيم- الثمن للزوجة، وللذكر مثل حظ الأنثيين. وسواء تزوج الأولاد وأولاد الأخوة، أم لم يتزوجوا، فكبير ألأسرة والعائلة، هو المسؤول الأول. وعلى الجميع أن يعودوا إليه في الأمور الهامة، ذات العلاقة بالأسرة أو العائلة.
والجدير بالذكر، أن العادات، والتقاليد الشيشانية، تحرم على المرء ابنة العم، حتى سابع حفيد. وكذلك، لا يجوز الزواج من بنات الأخوال، والخالات. أما أحفادهما، فيمكن التساهل بالزواج بهن، مع عدم اللياقة. وهكذا الصداقة عند الشيشان و الإنجوش، تصل إلى مستوى الأخوّة أيضا. فلا ينبغي لشيشاني، أو شيشانية الزواج من أخت صديقه، أو صديق أخيها. والبيتان المتزاوران باستمرار، يصبح أبناؤهما وبناتهما أخوة، وأخوات. وبصورة أخرى، الصداقة والقرابة عند الشيشان، تعني الأشقاء، والشقيقات، من جميع النواحي، باستثناء الإرث، والثار؛ فهما من مميزات العصبة.
27/03/1976م