topbackground007

هجرة شيشان السخنة

* بقيت المجموعة الثالث في تركيا سبع سنوات ثم هاجروا إلى الأردن، وهم من عشائر مختلفة ولكن أكثرهم من عشيرة الغادروي والكرخوي بزعامة غرم سلطان عم السيد طه سلطان، وقبل أن نتطرق إلى هجرة هذه المجموعة نود أن نشير إلى مجموعتين جديدتين لا علاقة لهم بالمهاجرين عبر تركيا:

* فقد خرجت عام 1907مجموعة مؤلفة من حوالي ثماني أسر من البحرتشخوي من بلدة بحرتشخوي يورت  ومعهم عمر بتي جد نوح إبراهيم حيث توجهوا إلى أوديسا في أوكرانيا، ولما وصلوا إليها كان هناك مرض معد منتشر في المدينة بحيث لم يوافق القنصل العثماني على دخولهم الأراضي التركية، فبقوا في أوديسا ثلاثة أشهر وقد توفي هناك يونس حج والد حديسات بسبب الوباء ، ولما وصلت أخبارهم إلى قريتهم سارع إلغش حج وكان ميسور الحال وهو خال يسع وحج مراد إلى القدوم إلى أوديسا وطلب من جماعته العودة وإلغاء فكرة الهجرة، فرفضوا رفضاً باتاً الرجوع إلى دار الكفر، فطلب من وشي أن يسمح له بإعادة كل من يسع وحج مراد معه إلى قريتهم حتى زوال المرض على أن يرسلهم إليه لاحقا مع مهاجرين جدد، فوافق وشي حج على ذلك. وبعد أن زال الوباء سمح لهم بالهجرة فركبوا السفينة من ميناء أوديسا وسافروا إلى بيروت، حيث تحركوا منها بالقطار إلى دمشق، وفي دمشق مكثوا مدة حيث عرضت عليهم أراضي في منطقة سعسع، إلا أنهم اختاروا الأردن، وبعد اكتمال الترتيبات وصلوا إلى الزرقاء وسكنوا في قصر شبيب ومنحت لهم أراضي في جناعة.

 * وفي سنة 1908 خرجت أسرتان من بلدة شر يورت وهما أسرة برسي آخو وهارون جوتخان وقد قام الغش حج بتأمين كل من يسع وحج مراد مع هارون، وقد توجهوا إلى القرم وركبوا السفينة في ميناء سمفرابول ثم إلى حيفا أو بيروت ومنها إلى الزرقاء وسكنوا في قصر شبيب مع الذين سبقوهم. وبذلك فإن هذه الأسر قد تكون الوحيدة بين مهاجري الأردن التي قدمت عن طريق البحر.

* نعود الآن إلى المجموعة الثالثة التي بقيت في تركيا وأكثرهم من الغادروي والكرخوي، فقد قرروا الهجرة إلى الأردن في آخر المطاف، وقد ذكر لي المرحوم عبد الهادي ايوب راس وهو من الكرخوي بأن هذه المجموعة بقيت في تركيا لمدة سبع سنوات في منطقة موشيه، وعلى ضوء ذلك يمكن القول بأنهم وصلوا إلى الأردن في عام 1908 أو 1909. وقد سلكوا نفس الطريق الذي سلكه مهاجري الزرقاء وصويلح، وقد حلوا ضيوفاً على عائلات الزرقاء لمدة، وقد كانت هناك مشكلة حول حصولهم على الأراضي، إلا أن المرحوم غرم سلطان بذل مساعي مع السلطات العثمانية حتى احتصلوا على أراضي في منطقة عين السخنة على بعد حوالي 10 كم شمال الزرقاء.

وقد ورد في كتاب الشيشان وهجرتهم إلى الاردن تأليف سعيد بينو في الملحق 5 صفحة 239 ملاحظات د. طه سلطان: (( قام غرم سلطان بمراجعة الحكومة العثمانية في دمشق واربد ليطالب بالأراضي الخالية في منطقة عين السخنة لجماعته، والتي تركها المهاجرون الذين رحلوا منها لتأسيس قرية صويلح، ولم يرضى الوالي بل عرض عليهم أراضي خالية في وادي موسى ولكنهم رفضوها كون المنطقة بعيدة وعددهم قليل (21) عائلة بالإضافة إلى تسع عائلات من البعرجخوي الذي كانوا يسكنون خرائب قصر شبيب. وبقي الحال دون إعطائهم أراضي لمدة ثلاث سنوات، حتى جاء مفتش عام من اسطنبول اسمه بهجت بك إلى السلط ليتفقد أحوال المهاجرين، وأعلن لمن له مظلمة أن يراجعه في متصرفية السلط، فذهب غرم سلطان إلى هناك وتلاقى مع أيوب عبد الله مختار مهاجري صويلح ومعه سليمان سعد الله احد وجهاء صويلح، فطلب منهما أن يشهدا بالحق عند المفتش بهجت بك، وفعلا شهدا حقا أن أهالي صويلح تركوا تلك الأراضي خالية، وبذلك وبعد إجراءات طويلة خصصت تلك الإراضي لأهل السخنة)).

 * أما بالنسبة للمهاجرين القاطنين في قصر شبيب فقد روى لي السيد طه يسع عن أبيه بأنهم فلحوا أراضيهم في جناعة لمدة سنتين. إلا أنه ولأسباب غير معروفة استردت منهم هذه الأراضي ومنحوا بدلاً منها أراضي في منطقة عين السخنة. وبناء على ذلك نستطيع القول بأنهم منحوا أراضي في منطقة عين السخنة عام 1909 بدل الأراضي التي صودرت منهم في جناعة. وقد ذكر لي السيد طه بأن والده كان يرفض ذكر أسباب استرداد أراضيهم في جناعة. 

* وبهذا أصبح وضع هؤلاء المهاجرين وأكثرهم من قبيلة الأقي بأن قسماً منهم يقطن قصر شبيب، وقسم منهم ضيوف على عائلات في الزرقاء وأراضيهم على بعد 10 كم مما كان يسبب لهم المتاعب، من مشقة السفر وانعدام الأمن على الطريق.

* ومن الأحداث التي حصلت خلال هذه الفترة، أي إبان سكنهم في منطقة الزرقاء وأراضيهم في منطقة عين السخنة بأنه بينما كان عم والدي المرحوم عبد المجيد زيد يعمل في أرضه، حصل شجار بينه وبين أحد شيوخ البدو، وكان عبد المجيد قريباً منه وأطلق عليه النار من بندقيته التي كانت محشوة بطلقة صوتية بدون رصاص، ولم يصب الشيخ بأذى إلا أنه وبسبب قرب المسافة اشتعلت النيران بملابسه حيث اعتقد بأنه أصيب فصاح: (( ذبحني الجيجاني ))، فقام مرافقوه بإطلاق النار على عبد المجيد حيث أصيب إصابة خطيرة، ونقل إلى الزرقاء، وقبل مفارقته الحياة أوصى بشدة بأن لا يطالبوهم بشئ، لأنه هو المسبب والذنب ذنبه، إلا أن الولي عبد الله ايدلكيري الخبير بأمور الحياة كمعرفته بأمور الدين، أصر أن يدفعوا الدية المحمدية.

* وبسبب متاعب السفر وخطورة الطريق قرروا الانتقال إلى حيث أراضيهم ، وقاموا ببناء بيوت لسكنهم، علما بأن المرحوم محمد حداد هو الذي خطط للقرية التي ظهرت بشوارع مستقيمة، وقد حسب عرض الشارع بحيث إذا التقت عربتان محملتان بالبرسيم يمكنهما التجاوز بسهولة. وليس لدينا تاريخ دقيق حول بناء القرية أو انتقال المهاجرين إليها من الزرقاء، إلا أن وفاة المرحوم آده ارسلان ودفنه في الزرقاء عام 1910 يجعلني أميل بأنهم سكنوا السخنة في عام 1910 كان توزيع الأراضي في البداية حسب العشائر، فاقترح غرم سلطان بأن يتم توحيد جميع أراضي المهاجرين وإعادة توزيعها حسب الأسر وقد تم هذا فعلا. وفي عام 1911 قام مهاجروا السخنة بتحرير وثيقةً لتنظيم أمورهم المعيشية، وبناء على التاريخ الوارد في الوثيقة نميل إلى اعتبار 1911 كتاريخ بناء قرية السخنة. أما المسجد فقد بني عام 1914، كما لم ينسى المهاجرون موضوع العلم، فقد أنشؤوا داراً لتعليم الدين واللغة، وكان من العلماء الكبار ليس على مستوى السخنة ولكن على مستوى الشيشان كافة جد والدي المرحوم زيد أرسلان الذي كان قد أخذ العلم عن قاضي زنداق، إلا أن الموت كان قد عاجله فقد توفي في عام 1912.